العلوم العصبية (أو البيولوجيا العصبية) هي دراسة علمية للجهاز العصبي، وفرع متداخل التخصصات لعلم الأحياء، يجمع بين الفسيولوجيا العصبية، والتشريح العصبي، والعلوم العصبية الجزيئية، والنماء العصبي، والعلوم العصبية الخلوية والحاسوبية، وعلم النفس لفهم الخصائص الأساسية والطارئة على العصبونات وشبكاتها الحيوية. وصف إريك كانديل فهم الأساس البيولوجي للتعلم والذاكرة والسلوك والإدراك والوعي بأنه «التحدي النهائي» لعلم الأحياء. اتسع نطاق العلوم العصبية بمرور الوقت ليشمل مناهج مختلفة تستخدم لدراسة الجهاز العصبي بمقاييس مختلفة، وقد توسعت التقنيات المستخدمة من قبل علماء الأعصاب بشكل كبير، لتمد من الدراسات الجزيئية والخلوية للعصبون الواحد إلى التصوير العصبي للمهام الحسية والحركية في الدماغ
زادت الدراسة العلمية للجهاز العصبي بشكل كبير خلال النصف الثاني من القرن العشرين، ويرجع ذلك بشكل رئيسي إلى التقدم في البيولوجيا الجزيئية، الفيزيولوجيا الكهربية، والعلوم العصبية الحاسوبية. وقد سمح ذلك لعلماء الأعصاب بدراسة الجهاز العصبي من جميع جوانبه: كيفية تنظيمه، كيف يعمل، كيف يتطور، كيف يتعطل، وكيف يمكن تغييره، وأصبح الفهم التفصيلي للعمليات المعقدة التي تحدث داخل العصبون الواحد أمرا ممكنا، فالعصبونات هي خلايا متخصصة لغرض التوصيل، وهي قادرة على التواصل مع العصبونات وأنواع من الخلايا الأخرى عبر نقاط اتصال متخصصة تسمى نقاط التشابك العصبي، والتي تُمكن من نقل الإشارات الكهربائية أو الكهروكيميائية من خلية إلى أخرى. وينبثق من العديد من العصبونات خيوط رفيعة طويلة من سيتوبلازم المحور العصبي تسمى محاور عصبية، والتي قد تمتد إلى أجزاء الجسم البعيدة وتكون قادرة على حمل الإشارات الكهربائية بسرعة، والتي تؤثر على نشاط العصبونات الأخرى أو العضلات أو الغدد. ويتولد الجهاز العصبي من مجموعة العصبونات المرتبطة ببعضها البعض. يُقسم الجهاز العصبي في الفقاريات إلى قسمين، الجهاز العصبي المركزي (المتكون من الدماغ والحبل الشوكي)، والجهاز العصبي المحيطي، ويُعتبر الجهاز العصبي في العديد من الأنواع (ومن بينها الفقاريات) أكثر أجهزة الجسم تعقيدًا، ويوجد معظم التعقيد في الدماغ. يحتوي الدماغ البشري وحده على حوالي مائة مليار عصبون ومائة تريليون مشبك عصبي؛ وتألف الدماغ البشري من الآلاف من الهياكل الأساسية التي يمكن تمييزها، والتي تتصل ببعضها البعض عبر شبكات عصبية. ويُمثل بشكل أساسي في الدماغ على الأقل جين من بين كل ثلاثة جينات (التي تصل إلى 20.000 جين يُشكلون الجينوم البشري). وبسبب لدونة الدماغ البشري، فإن بنية المشابك العصبية ووظائفها الناتجة تتغير طوال فترة الحياة. وبالتالي يزداد تحدي فهم كل هذه التعقيدات الهائلة
تمت دراسة الجهاز العصبي على مستويات متعددة تراوحت من المستويات الجزيئية والخلوية إلى الأنظمة والمستويات المعرفية، وعلى المستوى الجزيئي تشمل الأسئلة الأساسية التي يتم تتناولها العلوم العصبية الجزيئية الآليات التي تعبر بها العصبونات عن الإشارات الجزيئية وتستجيب لها، وكيف تشكل المحاور أنماط اتصال معقدة، وفي هذا المستوى تُستخدم أدوات علم الأحياء الجزيئي وعلم الوراثة لفهم كيفية تطور العصبونات وكيف تؤثر التغيرات الوراثية على الوظائف البيولوجية، وكذلك يُمثل علم التشكل والهوية الجزيئية والخصائص الفسيولوجية للعصبونات وكيفية ارتباطها بأنواع مختلفة من السلوك أيضًا مواضيع ذات أهمية كبيرة
تشمل الأسئلة الأساسية التي تتناولها العلوم العصبية الخلوية كل من آليات الطريقة الفسيولوجية والكهروكيميائية التي يعالج بها العصبون الإشارات العصبية، وتتضمن هذه الأسئلة كيفية معالجة الزوائد العصبية للإشارات (والزوائد العصبية هي بروزات رقيقة من جسم العصبون، وتتكون من الزوائد الشجرية المتخصصة في تلقي الإشارات من المشبك العصبي، والمحاور العصبية المتخصصة في توصيل الإشارات المُسماة جهد الفعل)، وكذلك كيفية معالجة جسم العصبون (الجزء المحتوي على النواة) للإشارات، وكيف يتم استخدام الناقلات العصبية والإشارات الكهربائية لمعالجة المعلومات في العصبونات. ويتجه مجال رئيسي آخر للعلوم العصبية نحو التحقيق في تطور الجهاز العصبي
. تهتم النمذجة العصبية الحاسوبية بتطوير نماذج عصبية ديناميكية لنمذجة وظائف المخ فيما يتعلق بالجينات والتفاعلات الديناميكية بينها
تشمل الأسئلة التي تتناولها أنظمة العلوم العصبية كيفية تشكيل واستخدام الشبكة العصبونية من الناحية التشريحية والفسيولوجية لإنتاج وظائف مثل المنعكسات، والتكامل متعدد الحواس، وتآزرية العضلات، والنظم اليومي، والاستجابات العاطفية، والتعلم، والذاكرة. بمعنى آخر، تتناول أنظمة العلوم العصبية كيفية عمل هذه الدوائر العصبية في شبكات الدماغ الواسعة النطاق، والآليات التي تتولد السلوكيات من خلالها. فمثلا يتناول تحليل مستوى الأنظمة أسئلة تتعلق بطرائق حسية وحركية محددة: كيف يعمل البصر؟ كيف تتعرف الطيور المغردة على الأغاني؟ وكيف تحدد الخفاشيات المواضع باستخدام الموجات فوق الصوتية؟ كيف يعالج النظام الحسي الجسدي معلومات اللمس؟ وتتناول مجالات علم السلوك العصبي وعلم النفس العصبي مسألة كيف تتسب المواد العصبية في سلوكيات حيوانية وبشرية محددة. ويدرس علم الغدد الصماء العصبي والمناعة العصبية النفسية التفاعلات بين الجهاز العصبي وبين الغدد الصماء والجهاز المناعي على التوالي. وبرغم العديد من التطورات إلا أنه لا تزال الطريقة التي تؤدي بها شبكات العصبونات العمليات المعرفية والسلوكيات المعقدة غير مفهومة بشكل جيد
تتناول العلوم العصبية المعرفية أسئلة حول كيفية حدوث وظائف نفسية (مثل المعرفة) عبر الدوائر العصبية. وقد تسبب ظهور تقنيات القياس الجديدة والقوية، مثل التصوير العصبي (التصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي، التصوير المقطعي بالإصدار البوزيتروني، التصوير الطبي بآشعة غاما) الفيزيولوجيا الكهربية والتحليل الوراثي البشري بجانب التقنيات التجريبية المعقدة من علم النفس المعرفي، في تمكين علماء الأعصاب وعلماء النفس تناول أسئلة مجردة مثل كيفية أن الإدراك والإحساس البشري يتم تعيينهما إلى مواد عصبية محددة. وعلى الرغم من أن العديد من الدراسات لا تزال تتبنى موقفًا مختزلًا يبحث عن الأساس العصبي الحيوي للظواهر المعرفية، فإن الأبحاث الحديثة تظهر أن هناك تفاعلًا مثيرًا للاهتمام بين نتائج العلوم العصبية والبحث المفاهيمي، وتكامل كلا المنظورين. فمثلا استجدى بحث العلوم العصبية حول التعاطف نقاشًا مثيرًا للاهتمام متعدد التخصصات شمل الفلسفة وعلم النفس وعلم النفس المرضي. وعلاوة على ذلك فإن تعرف العلوم العصبية للأنظمة المتعدة للذاكرة والمرتبطة بمناطق مختلفة في الدماغ قد تحدى فكرة أن الذاكرة هي استنساخ حرفي للماضي، مما يدعم رؤية الذاكرة كعملية بنائية وديناميكية
ارتبطب العلوم العصبية أيضًا بالعلوم السلوكية والاجتماعية، بالإضافة إلى المجالات متعددة التخصصات الناشئة مثل الاقتصاد العصبي ونظرية القرار وعلم الأعصاب الاجتماعي وعلم التسويق العصبي لمعالجة أسئلة معقدة حول تفاعلات الدماغ مع بيئته. وكمثال فإن الدراسات حول استجابات المستهلك تستخدم تخطيط أمواج الدماغ للتحقيق في الارتباطات العصبية المرتبطة بالنقل السردي لقصص حول كفاءة الطاقة
في نهاية المطاف يود علماء الأعصاب فهم كل جانب من جوانب الجهاز العصبي، بما في ذلك كيفية عمله، وكيفية تطوره، وكيفية تعطله، وكيف يمكن تغييره أو إصلاحه. وتتغير الموضوعات المحددة التي تشكل بؤرة البحث الرئيسية بمرور الوقت، مدفوعة بقاعدة دائمة التوسع من المعرفة وتوافر طرق تقنية متطورة بشكل متزايد